الصومال 2024- اقتصاد واعد بين تحديات الأمن وفرص الاستثمار

المؤلف: د. خالد عزب10.23.2025
الصومال 2024- اقتصاد واعد بين تحديات الأمن وفرص الاستثمار

مع انقضاء عام 2023، تجلّت ثلاثة تطورات مفصلية قلبت الموازين في المشهد الاقتصادي الصومالي، ممهدة الطريق نحو مستقبل مشرق عام 2024. فبعد حقب طويلة من الصراعات الأهلية المدمرة، والجفاف القاسي، والفيضانات العنيفة، يقف الصومال اليوم على أعتاب نهضة اقتصادية غير مسبوقة منذ عام 1990.

أولى هذه التحولات الإيجابية كانت انضمام الصومال إلى "مجموعة شرق أفريقيا" في 24 نوفمبر 2023، وهي منظمة إقليمية تتخذ من أروشا في تنزانيا مقرًا لها، وتضم في عضويتها دولًا مثل: الكونغو، وكينيا، ورواندا، وجنوب السودان، وأوغندا، وتنزانيا. هذا الانضمام يفتح للصومال آفاقًا واسعة للوصول إلى أسواق إقليمية واعدة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، مما يؤدي إلى ترسيخ الاستقرار. ومع ذلك، يتطلب هذا الأمر الالتزام بتنسيق السياسات والمعايير والقواعد التجارية.

بيئة جاذبة للاستثمار

المعطى الثاني بالغ الأهمية يتمثل في تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قرار رفع حظر توريد الأسلحة الذي كان مفروضًا على الصومال منذ عام 1992. هذه الخطوة الحاسمة ستساهم بشكل كبير في بناء قدرات القوات الأمنية الصومالية، وتعزيز الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد.

أما التطور الثالث، فكان إعلان الدائنين للصومال، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في 13 ديسمبر 2023، عن شطب ديون بقيمة 4.5 مليارات دولار. وقد أدى هذا القرار التاريخي إلى تمهيد الطريق أمام عودة الصومال إلى النظام المالي العالمي، بعد ثلاثة عقود من الانهيار الذي شهدته الدولة، وسط اقتتال مرير بين أمراء الحرب. وتبع ذلك إلغاء شبه كامل للديون المستحقة على الصومال في مارس 2024 من قِبل الدول الأعضاء في نادي باريس.

على أرض الواقع، تشير المعطيات إلى أن الحكومة الصومالية قد عززت بشكل ملحوظ قدرتها على فرض سيطرتها على الأراضي، بعد أن كانت توصف بأنها حكومة محاصرة داخل العاصمة مقديشو. وقد ساهم هذا التوسع في السيطرة في تخفيف الضغوط على القطاع الخاص، الذي كان يعاني من الابتزاز المالي الذي تفرضه حركة الشباب. وقد انعكس ذلك إيجابًا على الإيرادات الضريبية، مع ظهور بوادر بيئة استثمارية أكثر أمانًا. ومع ذلك، يظلّ تفشي البطالة بين الشباب الصومالي (67%) الوقود الذي يغذي حركة الشباب.

لذا، فإن توفير فرص عمل للشباب يمثل هدفًا استراتيجيًا لا يمكن التغاضي عنه. كما أن هجرة الشباب في ظروف معيشية قاسية تشكل خسارة فادحة للقدرات البشرية في الصومال.

إن موجات الجفاف والفيضانات المتكررة تشكل عوامل مدمرة تهدد استقرار الاقتصاد الصومالي. وقد تجلى ذلك في نوفمبر 2023، عندما أدت الفيضانات في جنوب غرب الصومال إلى نزوح ما يقرب من 300 ألف شخص. كما تسبب الجفاف الشديد الذي عانى منه الصومال في تضرر القطاع الزراعي بشكل كبير، مما أثر على حياة أكثر من 6.2 ملايين صومالي، ووضع الأمن الغذائي في وضع بالغ الخطورة، وجعل المساعدات الإنسانية حاجة مُلحة. ومع ذلك، فقد أبدت العديد من المنظمات الدولية ملاحظات مهمة حول ضرورة تنسيق جهود الإغاثة الإنسانية ومراقبة طرق توزيعها.

إمكانات متنامية

استجابة لهذه التحديات، تبنت الحكومة الصومالية سياسة للحماية المجتمعية منذ عام 2019. وقد تم إطلاق برنامج الحماية الاجتماعية "باكسنانو"، الذي يقدم تحويلات نقدية منتظمة لـ 200 ألف أسرة فقيرة تعيش في المناطق الريفية. الجدير بالذكر أن الزراعة تمثل حوالي 65% من حجم الاقتصاد الصومالي، مع وجود إمكانات واعدة لزيادة الصادرات الزراعية، بعد أن بدأت الحكومة في إزالة بعض العقبات التي تواجه التصدير، مثل متطلبات شهادات المنشأ وغيرها.

يمثل قطاع الصيد البحري فرصة اقتصادية كبيرة للصومال، حيث يمتلك الصومال أكثر من 6000 سفينة صيد، في حين تعمل أكثر من 13000 سفينة أجنبية في مياهه الإقليمية.

يعتمد الصومال على شواطئه الممتدة على طول 3898 كيلومترًا، وهي الأطول في القارة الأفريقية. ويقدر بعض الخبراء خسائر الصومال في قطاع الصيد بحوالي 300 مليون دولار سنويًا، في حين لا تتجاوز إيرادات الصومال من هذا القطاع 135 مليون دولار سنويًا. وفي عام 2018، وقعت الحكومة اتفاقية بشأن الإيرادات المتولدة من تراخيص الصيد، ولكن يظلّ على الصومال تطوير موانئه الخاصة بسفن الصيد، وتحديث أسطول الصيد الخاص به، بالإضافة إلى إنشاء صناعات متطورة لتعليب وتجميد الأسماك، خاصة وأن شواطئه غنية بأنواع الأسماك التي تحظى بطلب كبير في الأسواق العالمية. وتشير التقديرات إلى أنه عند تنظيم قطاع الصيد بشكل فعال، يمكن للصومال أن يحقق إيرادات سنوية تصل إلى 500 مليون دولار من صيد أكثر من 200 ألف طن من الأسماك.

الذهب الأسود

تُعد الثروة الحيوانية مصدرًا حيويًا للصادرات الصومالية، وخاصة الأغنام، التي يتم تصديرها بشكل أساسي إلى دول الخليج. وقد بلغت قيمة صادرات الثروة الحيوانية في عام 2020 ما يقدر بـ 500 مليون دولار، وتسعى الصومال جاهدة لزيادة قدراتها التصديرية في هذا القطاع بوتيرة متسارعة.

تركت الحرب الأهلية ندوبًا غائرة في جسد الصومال، ولكنها في الوقت ذاته دفعت العديد من الصوماليين إلى الهجرة إلى مختلف أنحاء العالم. واليوم، يساهم الصوماليون في العديد من المجالات في دول المهجر، من قيادة الحافلات إلى التدريس في الجامعات، وبرز منهم أدباء ومفكرون مرموقون. وتُقدر تحويلات هذا الشتات الصومالي إلى الوطن بحوالي 1.2 مليار دولار سنويًا، وهو رقم متواضع، وتشير التقديرات إلى أن هذا الرقم يتراوح بين 3 إلى 4.3 مليارات دولار سنويًا، وهو ما ساهم بشكل كبير في بقاء الصومال صامدًا.

في عام 1990، علقت شركات التنقيب عن النفط عملياتها في الصومال بسبب الحرب الأهلية. ولكن في الفترة من 2013 إلى 2016، أجرت شركات دولية مسحًا شاملاً لتقييم الاحتياطيات المحتملة من النفط والغاز الطبيعي في الصومال. وقدرت احتياطيات النفط الصومالية بحوالي 30 مليار برميل، وتعتبر الشواطئ الصومالية واعدة في هذا المجال. وفي مارس 2024، وقعت تركيا اتفاقية مع الصومال للتنقيب عن النفط في سواحله، ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التنقيب في عام 2025.

يثمن الصوماليون الدعم السخي الذي قدمته لهم الدول والمنظمات الدولية، والذي ساهم بشكل كبير في عودة الصومال إلى وضعه الطبيعي. ومن بين هذه الجهات، صندوق قطر للتنمية، الذي قدم في عام 2017 مبلغ 200 مليون دولار لعدد من المشاريع التنموية في الصومال، في قطاعات التعليم والبنية التحتية، بالإضافة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة، مثل مبنى رئاسة الحكومة.

وقد شكل هذا الدعم القطري دافعًا قويًا لانتعاش الصومال، كما ساهم الاتحاد الأوروبي بمبلغ 98.2 مليون يورو لإنعاش الاقتصاد الصومالي. وقد تزامن ذلك مع فعالية متزايدة للبنك المركزي الصومالي، بدأت بزيادة تراخيص البنوك العاملة في الصومال، وكان آخرها بنك مصر، وتشديد الرقابة على المعاملات المالية عبر الهاتف المحمول، وتنظيم حركة الأموال.

ومع كل هذه التطورات الإيجابية، يبقى القلق بشأن استتباب الأمن قائماً، خاصة مع قرب انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي من الصومال في عام 2025، وانتظار التعافي الكامل في ظل الانقسامات الداخلية التي لا تزال حادة، والتي تعيق النمو في عدد من القطاعات الواعدة، مثل السياحة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة